جدة- بين جمال الواجهة وقبح الباطن، مدينة بوجهين متناقضين
المؤلف: سعيد السريحي08.13.2025

لجدة مظهران متباينان، مظهر مشرق وآخر خفي، فمظهرها البراق هو الذي تتفاخر به، وتعرضه بكل فخر من خلال مبانيها الشاهقة التي تتنافس في العلو، وساحاتها الفسيحة المزينة بالتحف الفنية الرائعة، وشاطئها الجميل الذي تتلاطم عليه الأمواج بنغم ساحر. أما مظهرها الخفي فهو عبارة عن مستنقع آسن من مياه الصرف الصحي المتراكمة، وبقايا برك الأمطار الراكدة التي تنبعث منها روائح كريهة تزكم الأنوف كلما ظهرت على سطح الأرض، وتضم بين طياتها من الجراثيم والبكتيريا ما لا ينجي منه سكان جدة إلا رحمة الله الواسعة، وتهدد أساسات منازلهم بالانهيار وكابلات الكهرباء بالاحتراق، وتلوث الهواء النقي، وتدنس كل جزء من الأرض.
ويعتبر النمو الباطني البائس لجدة وثيق الصلة بالنمو الظاهري المتألق، في علاقة تبعية صارخة تؤكد أنه كلما تم بناء منزل جديد، ازداد حجم بحيرة الصرف الصحي التي تستقر عليها جدة، وكلما دُشِّن مركز تجاري ضخم، تفاقمت جراثيم البحيرة وتكاثرت، وكلما اتسعت المسافة بين البيوت، وجدت المستنقعات منفذاً لتطفو على سطح الأرض ليشاهدها الجميع بأعين دامعة حزينة، وتتجاهل الأمانة هذا الأمر المروع عن قصد أو عن غير قصد، أو تسارع إلى التغطية عليه مثل الخادمة المهملة التي تخفي الأوساخ تحت السجاد والأثاث.
يحدث هذا كله بينما تتبادل المؤسسات الحكومية المسؤولة عن مدينة جدة الاتهامات وتلقي باللوم على بعضها البعض بشأن ما يحدث لها من مشاكل وأضرار جسيمة: فالهيئة العامة للمساحة الجيولوجية تؤكد بكل أسف أن دورها ينتهي عند إجراء الدراسات التفصيلية وتقديم المقترحات والتوصيات، وأمانة جدة تتنصل من المسؤولية وتلقي بها على شركة المياه الوطنية، مشيرةً إلى أن معالجة المياه الجوفية هي من صميم عملها، أما شركة المياه الوطنية فلا تخجل من التصريح بأن "الشركة لا تعمل على معالجة ظاهرة ارتفاع منسوب المياه الجوفية في جميع أحياء جدة بشكل تلقائي أو في إطار مشروع محدد، ولكن من خلال ما تتلقاه من اللجنة الوزارية وفقًا للتكليف الموجه إليها في مواقع تحددها اللجنة، وتقوم الشركة بمعالجتها، مشيرةً إلى أن المياه الجوفية من اختصاص الشركة وهي المعنية بالمعالجة في المواقع التي يتم تكليفها بها فقط".
تتنازع الجهات الحكومية المعنية بجدة المسؤولية وتتهرب منها في غياب أي "مشروع متكامل" ومشترك بينها لمعالجة الوضع المتردي، بينما تظل جدة عروس البحر الأحمر مدينة ذات وجهين: وجه مشرق "نظيف" يتباهى به المسؤولون ويتفاخرون، ووجه مظلم "ملوث" يتنصل منه المسؤولون ويتبرأون.